width text-align:right; text-align:right;

يناير٢٠١١

خرافات للتخويف من رفض التعديلات

محمد البعلى

مع حلول موعد التصويت على التعديلات الدستورية المقترحة يطرح المؤيدون للتصويت بـ”نعم” مجموعة من الحجج لدعم موقفهم، أرى أن بعضها يفتقر إلى الأساس الواقعي. لذلك أسعى لمناقشة حجتين أساسيتين منها في السطور القادمة.

 

(1) الاستقرار

يؤكد المؤيدون للتعديلات أن التصويت بنعم هو مفتاح الاستقرار وبداية العودة للحياة الطبيعة.

هذا القول أراه أقرب للخرافة منه للواقع، فتأييد التعديلات يعني أولا إجراء 4 عمليات انتخابية خلال أقل من عام (الاستفتاء هو عملية انتخابية بالطبع بسبب اعتماده على دعوة الناخبين للتصويت)، بينها عمليتي انتخاب بالنظام الفردي –على الأغلب- لمجلسي الشعب والشورى. ولنا أن نتخيل كيف يمكن أن تتم انتخابات على مقاعد المجالس التشريعية (بنظام الفردي) وسط غياب مريب للشرطة واستمرار تواجد البلطجية ورجال الحزب الوطني الذين سيحلم العديد منهم بالحصول مجددا على الحصانة البرلمانية بأي طريقة. علينا أيضا ألا ننسى صراع العائلات في الريف على المقاعد النيابية وكيف يمكن أن يتطور في ظل غياب أية تقاليد ديموقراطية عن الريف المصري. ولعله يفيد هنا أن نتذكر انتخابات مجلس الشعب الماضية، عندما حشد رجال الحزب الوطني والمستقلون عشرات الآلاف من البلطجية ضد المعارضين وضد بعضهم البعض في معظم دوائر مصر، بينما اكتفت قوات الأمن بالمشاهدة المستريحة لضرب المعارضين ومعارك المسجلين خطر، وهو مشهد لا يختلف كثيرا أيضا عما حدث في “موقعة الجمل” الشهرية في ميدان التحرير.

وإذا تم التقدم باتجاه دستور جديد عبر الآليات التي اقترحتها لجنة التعديلات الدستورية سيصل عدد العمليات الانتخابية إلى 7 عمليات انتخابية –على أقل تقدير- في نحو 12  شهرا، ويصعب جدا تصور حالة هدوء واستقرار وسط انتخابات متتالية بمعدل واحدة كل شهرين في ظل تراث الانتخابات المصرية المعروف.

وهناك نقطة أخرى يتجاهلها أصحاب نظرية الاستقرار، هي أن الاستقرار ينبني أيضا على هدوء الأوضاع داخل كل مؤسسة على حدة. فكيف نتوقع “استقرارا” من أي نوع مع بقاء رجال نظام مبارك في أغلب المؤسسات والشركات واستمرار الغضب تجاههم والتذمر من انتشارهم من المؤسسات الصحفية إلى التلفزيون إلى شركات القطاع العام إلى الجامعات. فاعتبار الانتخابات وليس تطهير المؤسسات هو مفتاح الاستقرار هو موقف ملتبس جدا ويصعب تصور نجاحه.

كما أن الاستقرار بمعنى استتباب الأمن غير مرتبط بالدستور، سواء المعدل أو الجديد، بقدر ارتباطه بعودة الشرطة لممارسة مهامها في الشارع وتوقف إضرابها غير المعلن.

في الحقيقة أرى أن مداخل الاستقرار الحقيقية تتمثل في 3 خطوات: الأولى، هي خطة شاملة لتطهير مؤسسات الدولة والقطاع العام من القيادات الفاسدة وتعديل الأوضاع المالية داخلها، بوضع حد أدنى وحد أقصى للأجور بحيث لا يزيد الأقصى عن 25 ضعف الأدنى؛ والثانية، هي إعادة هيكلة الشرطة بما في ذلك إحالة المتورطين في التعذيب والرشوة للتقاعد، وإمداد الجهاز بعناصر شابة لم تصطدم بالشارع خلال الثورة أو قبلها، وتأسيس لجنة لبحث أي شكاوى متعلقة بتجاوزات الشرطة خلال الأعوام الثلاثين الماضية، وإحالة “من ترى اللجنة أدلة كافية على تورطه في تجاوز القانون” للقضاء. وسيكون ذلك مقدمة كافية تسمح بعودة الثقة في الشرطة؛ والثالثة، هي إعادة البناء السياسي، بما في ذلك السماح بقيام أحزاب جديدة وكتابة دستور جديد وتعديل نظام الانتخابات من الفردي إلى القائمة النسبية، المفتوحة أو حتى الحزبية.

 

(2) عودة الجيش للثكنات

يطرح المؤيدون لـ”نعم” كذلك أن إجراء الاستفتاء سيكون مقدمة لحكم مدني كامل وعودة الجيش لثكناته.

لكن هذا الأمر يتجاهل أن نزول الجيش للشارع كان له سببين، هما انهيار سلطة مبارك والهروب الكبير للشرطة. وبالتالي عودة الجيش لثكناته ليست مرتبطة بانتخابات ما أو تعديل محدود للدستور يصنع استقرارا سحريا يعود بعده الجيش. فالعودة مرتبطة أساسا باستتباب الأمن وعودة الشرطة بعد إجراءات معقدة لحصولها على القبول الشعبي (سبق الإشارة إليها)، ووجود سلطة مدنية مقبولة من الأغلبية وتستمد شرعيتها بوضوح من الثورة، سواء سلطة رئيس أو برلمان منتخب، بطريقة تعبر بأفضل صورة عن المجال السياسي لما بعد الثورة (أقصد هنا برلمان يتم انتخابه بآليات جديدة بعيدا عن النظم والقوانين التي تم تفصيلها على مدى 30 سنة لاستبعاد العناصر المعارضة وجعل الانتخابات صراعا فرديا على منصب وليس منافسة سياسية بين الآراء. والانتخابات السريعة ستقيم أشكالا بلا مضامين).

باختصار شديد، فإن عودة الجيش إلى ثكناته ليست مرتبطة فقط بإجراء انتخابات أو استفتاء ما. فالجيش يمثل قوة الردع الوحيدة التى تحفظ للدولة وجودها فى ضوء صعوبة عودة الشرطة.

 

اترك تعليق