width text-align:right; text-align:right;

يناير٢٠١١

لا تخافوا من العسكر والوطنى.. خافوا من عملية انتقال مشوهة

سيف نصراوى 

بعيدا عن شبه الإجماع عن مساوئ الإبقاء على دستور 1971 الذي يعطي صلاحيات مطلقة للرئيس بعد استفتاء السبت المقبل -حتى لو لجأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى تعطيلها فور إعلان النتيجة بكل ما يحمله الأمر من سخرية- لان وجوده لا يستقيم مع تفعيل الدستور. 

وبعيدا عن كل التشوهات المحيطة بالتسلسل الزمني لعملية الانتقال الديموقراطي: انتخابات برلمانية ورئاسية -أو العكس- قبل الانتهاء من كتابة دستور ثورة 25 يناير -بكل ما يمكن أن تحتويه من مخاطر الالتفاف على عملية التحول هذه إذا انتصرت العناصر الاستبدادية. 

بعيدا عن ذلك كله، يستند المطالبون بالتصويت  بـ”نعم” من القوى الديموقراطية إلى فرضيتين سياسيتين، ليس لهما علاقة بوجوب اتساق البناء الدستوري والقانوني، ولا بالإصرار على أن هذه الثورة هي، بين أشياء أخرى، ثورة ضد كل أنواع “الاشتغالات” التي كانت يعتمد عليها نظام مبارك. هاتين الفرضيتين هما بالأساس: حتمية رجوع الجيش إلى الثكنات بأسرع وقت، ثم قطع الطريق أمام فلول الحزب الوطني التى تعمل على إعادة تنظيم صفوفها. 

رجوع الجيش إلى الثكنات يستند إلى ضرورة الحكم المدني من ناحية، والانطباع السائد بأن المؤسسة العسكرية يبدو أنها في غير وارد حسم خيارها بشكل نهائي باتجاه الشرعية الثورية عن طريق الشروع فورا فى إصلاح وتطهير أجهزة الدولة، خاصة المؤسسة الأمنية، أو حتى التفاوض بشكل جدي مع قوى الثورة أو إصلاح المنظومة التشريعية وغيرها من مطالب الثورة، مما يستدعي أن تستلم قوى الثورة زمام السلطة وتقوم بنفسها بهذه العملية. 

خيار التصويت بنعم، إذن، يفترض أن الجيش سيسلم السلطة إلى رئيس أو برلمان، بحلول أغسطس أو سبتمبر على الأكثر. 

لكن هذا يبدو مستبعدا لسببين. السبب الأول هو تسريبات شخصيات عسكرية مؤخرا، بل وحتى تصريح علني للواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية يوم 12 مارس بأن انتخابات مجلس الشعب سوف تكون في سبتمبر وانتخابات الرئاسة في ديسمبر، وهو ما يعني أن المجلس العسكري سوف يستمر في الحكم حتى ديسمبر 2011 على أقل تقدير.  وحتى بهذه التوقيتات، فأن البلاد سوف تكون مقبلة على أربعة استحقاقات انتخابية حتى بعد انتهاء عام 2011، وهي التصويت على الدستور الجديد الذي سيحتم بدوره انتخابا جديدا لمجلسى شعب وشورى ورئيس جديد، لأن كل انتخابات 2011 سوف تكون غير ذات صفة بحكم الدستور الجديد. 

كل هذه الاستحقاقات الانتخابية، تفترض بشكل أو بآخر دورا كبيرا للجيش في تأمين استقرار البلاد، أخذا في الاعتبار أن صفتها “الانتقالية والمؤقتة” لن تنتهي إلا بحلول منتصف العام المقبل بأكثر التقديرات تفاؤلا. وغني عن القول ما يستتبعه ذلك من تأثير على الاقتصاد والوضع الأمني في ظل عدم إصلاح جهاز الشرطة. 

 السبب الثاني، باختصار، هو كل الإشكاليات الفنية الخاصة بإجراء الانتخابات بدءا من إعادة تأهيل جهاز الشرطة إلى إصلاح قانوني مجلس الشعب والشورى وعمليات تشكيل لجنة مراقبة الانتخابات والاستعداد لعمليات اقتراع كبرى –قد تكون سبعة أو ثمانية إضعاف نسب التصويت السابقة- وإعداد الجداول الانتخابية… إلخ، وهي عملية لوجستية ضخمة لا يُتوقع الانتهاء منها في يونيو كما قيل سابقا. 

التخوف الثاني يعتمد على سيناريو قيام الحزب الوطني بإعادة تنظيم صفوفه، وهو أمر سوف يدفع قدما بعملية إعادة بناء مجال سياسي حيوي خلافا لما يعتقد الكثير. 

هيمنة الحزب الوطني على الحياة السياسية سابقا، كانت تعتمد ضمن أمور أخرى على صلة هذا الحزب ببيروقراطية الدولة التي مكنته من تطويع الأجهزة الأمنية لهندسة عملية الانتخابات وإقصاء الخصوم من ناحية، أو اعتمدت على علاقات نوابه العضوية بأجهزة الدولة الإدارية التي وفرت له توزيع الأراضي أو الوظائف أو تذاكر الحج أو قرارات العلاج أو الواسطة في أقسام الشرطة، إلخ. 

هذا الشكل من التداخل بين الوطني والدولة قد انتهى الآن، ليس فقط باندحار الوطني واستقالة معظم قياداته، ولكن أيضا بسبب بلورة مجال سياسي جديد سوف لن يسمح لهذا النوع من التجاوزات مستقبلا، وسوف يعتمد في المقابل حتى في بعده “الخدمي” البحت، أى المتعلق بوعود ببناء مدرسة أو مستوصف أو بناء شبكة صرف صحي في حي أو قرية ما- على توزيع موارد الموازنة العامة التي سوف يتم مراقبتها بشكل جاد وتحديد أولوياتها الجغرافية وفق توازنات القوى داخل البرلمان- وهي عملية سياسية بامتياز. 

إعادة بناء الحزب الوطني- حتى لو اعتمدت على الشبكات العائلية في أحد محاورها- سيضطر في النهاية إلى بناء خطاب إيديولوجي، ووضع برنامج، وتأسيس قواعد وبنية تعبوية سياسية بالأساس، لكي يجذب الجمهور، وهو ما يعني أن يصبح حزب سياسيي بامتياز، لا يعتمد في بقائه على مجرد سيطرته على أجهزة الدولة الإعلامية وبث مقولات رثة- حتى وان كانت فعالة حتى اللحظة- عن الاستقرار سواء ضد عدو خارجي، أو داخلي كعنف العشوائيات أو العنف الطائفي أو صعود الإسلاميين أو الانحلال الأخلاقي، إلخ. 

تحول فلول الوطني إلى حزب أو أحزاب سياسية، أمر لا يُفترض أن يثير الذعر مطلقا. فمعظم هذه الشخصيات، مع أنها محافظة في معظمها، تمتلك مصلحة في تبنٍ حقيقي للشرعية الجديدة -وهي بالمناسبة شرعية ديموقراطية “طيبة” لم ترفع حتى شعارات الاجتثات وتطهير المؤسسات أو المحاكمات الواسعة- وهي ليست ثورة شيوعية أو دينية، ستصطدم بشدة بإيديولوجيا الملكية الخاصة أو تحفظات الطبقة الوسطى المصرية على طبعات متشددة للإسلام. 

هذه النخب، لازالت تمتلك المال والخبرات، وحكم القانون والديموقراطية لن يؤثر فيها بشكل جدي. كما أنها تدرك للأسف حقيقة أن آليات الفساد في دولة عالم ثالثية، حتى لو كانت تتمتع بهامش ديموقراطي واسع، لن تنتهي قريبا، وامكانيات التحايل عليها ستبقى طويلا. إعادة إنتاج هذه النخب لذاتها سيمر إذن عبر المجال السياسي، ككل القوى السياسية الأخرى، طالما أن الجميع لم يرفع شعار الإبادة أو الاجتثاث. 

* 

هذه المعطيات، من وجهة نظري، تجعل خيار الدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية لكتابة الدستور وقبلها التصويت ب”لا” على استفتاء السبت، هو الأجدر حاليا، حتى لو استبعدنا مقترح المجلس الرئاسي المثير للجدل، للأسباب التالية: 

أولا، سيحقق انتخاب جمعية تأسيسية تقصير كل مراحل العملية الانتقالية، والشروع في انتخاب البرلمان والرئيس حسب الدستور الجديد مباشرة. 

ثانيا، انتخاب جمعية تأسيسية، سيكون بالضرورة أقل عنفا، من التنافس في انتخابات رئاسية أو برلمانية، تعتمد بشكل مباشر على تصورات ضيقة للغاية عن توزيع المصالح ورأس المال المادي والسياسي. 

 ثالثا، كتابة دستور جديد، لن تأخذ وقتا طويلا بالضرورة، خاصة أن الخلاف الرئيسي سيتركز على مدى صلاحيات الرئيس، في ضوء الاتفاق العام على أنها ستكون جمهورية رئاسية، بتوجهات اقتصادية مرتبطة بنظام السوق، وعدم المساس بالمادة الثانية. 

اترك تعليق