width text-align:right; text-align:right;

يناير٢٠١١

لهذه الأسباب أرفض التعديلات الدستورية

محمد البعلى

    يقترب بسرعة موعد التاسع عشر من مارس الجاري حيث تطرح تعديلات الدستور القائم للاستفتاء، وهو أمر يستدعي نقاشا مجتمعيا واسعا حولها، خاصة مع وجود توجه واسع لدى قطاعات كبيرة من المواطنين للمشاركة في الاستفتاء، خاصة ممن شاركوا في إزاحة نظام مبارك والمطالبة بنظام جديد في ثورة 25 يناير.

وفي السطور التالية سأحاول المشاركة في هذا الحوار المطلوب والهام موضحا أسباب رفضي لهذه التعديلات، والتي تنقسم لأسباب مبدئية متعلقة بطريقة إعدادها؛ وسياسية خاصة بمضمونها ومضمون باقي مواد الدستور المقترح تعديله؛ وإجرائية خاصة بالصياغة نفسها لهذه التعديلات وعلاقتها بباقي مواد الدستور.

 

أولا: من حيث المبدأ، سقط الدستور القائم مع سقوط شرعية نظام مبارك، وتوقف العمل به مع قيام الرئيس المخلوع بنقل سلطاته بطريقة “غير دستورية” إلى المجلس العسكري تحت ضغط انتفاضة الشارع، متخطيا نصوص الدستور التي تنظم نقل السلطة (وهي المواد 82-84). توازي هذين الحدثين يؤكد وجود شرعية جديدة نظمت انتقال السلطة هنا، وهي “الشرعية الثورية” أو “شرعية الجماهير”. ومحاولة العودة للدستور المنهار لترقيعه سيكون كمحاولة لضخ دماء في جسد ميت. فمكانة الدساتير وعلوها على القانون تكمن فى احترامها طول الوقت من كافة أطراف العمل السياسي في المجتمع.

كما أن طريقة اختيار لجنة ضيقة لتعديل الدستور هي طريقة تنتمي بالكامل لأسلوب النظام السابق الذي اعتاد على تأسيس مثل هذه اللجان، بل قام مشروع تعديل الدستور على نفس المواد التى اقترح تعديلها الرئيس المخلوع مبارك المقترح تقريبا، وبنفس الطريقة، أى اختيار لجنة غير منتخبة مع فارق في الأشخاص المكونين لهذه اللجنة.

 

ثانيا: من وجهة نظر سياسية، أبقت التعديلات الدستورية على سلطات واسعة جدا لرئيس الجمهورية تجعل منه فرعونا يملك سلطة سن القوانين وإبطالها وفرض الأوضاع الاستثنائية ويقيد بشدة من إمكانية محاسبته. هذا يعنى باختصار أن التعديلات تقرر أن الوسيلة الوحيدة لإزاحة رئيس من مكانه هي رغبته المحضة أو ثورة جديدة. كما لم تمس التعديلات المواد المتعلقة بالسلطة التشريعية، حيث بقي جوهر ضعف مجلسي الشعب والشورى المتمثل في تقييد قدرته الرقابية على الوزارة وانعدامها تقريبا على الرئيس، حيث توجد أكثر من مادة تنظم الاستجوابات ومحاولة سحب الثقة من الوزراء ورئيسهم بطريقة تجعل الأمر مستحيلا تقريبا (126-128). كما يمثل تعديل المادة 76 والخاص بإنشاء “لجنة الانتخابات الرئاسية” تراجعا عن مبدأ الرقابة القضائية على المؤسسات والقرارات الحكومية، حيث تنص على أن “تكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأي طريق أو أمام أي جهة”، هذا بالإضافة إلى تعارض ذلك مع المادة 68 من الدستور نفسه، التي تحظر “تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء”. كذلك يعمل التعديل الخاص بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية على حجب هذا الحق عن ملايين المصريين، ومنهم شخصيات عامة ذات وزن مثل الدكتور أحمد زويل بالنص على “ألا يكون – المرشح – قد حصل أو أي من والديه على جنسية دولة أخرى، وألا يكون متزوجاً من غير مصرية”. فلو تصورنا أن دولة مثل الولايات المتحدة أو فرنسا طبقتا مثل هذا النص لما وصل أوباما أو ساركوزي -وكلاهما من أبناء المهاجرين- لمناصبهما. وحتى المصري الذي يحصل على جنسية أجنبية بحكم الولادة بالخارج أو الإقامة لفترة سيحرم هو وأبناؤه من حق الترشح. وتجب الإشارة كذلك إلى سوء صياغة المادة، حيث تقول “يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية”، والصحيح “يشترط فيمن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية”، لأن الشروط توضع على عملية الترشيح وليس بعد إتمام الانتخاب.

كذلك تبدو المادة الخاصة بالتخطيط لدستور جديد ملغزة للغاية، حيث تجعل الأمر اختياريا في المادة 189: “لكل من رئيس الجمهورية، وبعد موافقة مجلس الوزراء، ولنصف مجلسي الشعب والشورى طلب إصدار دستور جديد”. واللام قبل الرئيس والمجلس تعني لغويا أن الأمر حق وليس واجب. ثم تجعله المادة 189 مكرر إجباريا، حيث تقول: “يجتمع الاعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة أشهر من انتخابهم”، بادئة بصيغة فعل الأمر التي تفيد الوجوب، وهو أمر أعجز عن فهمه بصراحة.

أخيرا، يحتوي الدستور القائم على مواد كثيرة لا تصلح لأن تكون داخل نص دستوري من الأصل، حيث يمتلئ الدستور بمواد منظمة للمعاشات وحديث عن الأمومة والطفولة والأخلاق وتفاصيل قانونية عن كيفية استجواب الوزراء، مما يجعله أقرب لنشره قانونية منه لنص يجب أن يكون أبا للقوانين، ويجعل إصلاحه أمرا مستحيلا.

 

ثالثا: تحتوي التعديلات على تناقضات مع نصوص أخرى في الدستور القائم نفسه تجعل من احتمال وقوع اضطراب دستوري كبيرا: فالمادة 75 التي تحدد شروط الترشح للانتخابات تتعارض مع المادة 8 التي تقول “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين”؛ والمادة 76 التي تنص على إنشاء “لجنة الانتخابات الرئاسية” بحيث “تكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأي طريق أو أمام أي جهة” تتعارض كذلك مع المادة 68 والتي تحظر “تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء” كما سبق وأوضحت.

الأغرب أن من قام بتعديل المادة 77 فجعل “مدة الرئاسة أربع سنوات ميلادية” ترك في الدستور مادة قديمة خاصة بالسادات تقول “تنتهي مدة رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء ست سنوات من تاريخ اعلان انتخابه”، وهي المادة 190. وتحمل المادتان تناقضا في المنطوق وتكرارا لتنظيم نفس الفعل بمادتين دون أن تنص إحداهما على إلغاء الأخرى. وهناك تناقض آخر بين تعديل المادة 93 والذي يقول “تختص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب. و تقدم الطعون إلى المحكمة خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب، وتفصل المحكمة في الطعن خلال تسعين يوماً من تاريخ وروده إليها. وتعتبر العضوية باطلة من تاريخ إبلاغ مجلس الشعب بقرار المحكمة”، وبين مادة لم تعدل (96)، وتقول “لا يجوز إسقاط عضوية أحد أعضاء المجلس إلا إذا فقد الثقة والاعتبار، أو فقد أحد شروط العضوية أو صفة العامل أو الفلاح التى انتخب على أساسها أو أخل بواجبات عضويته. ويجب أن يصدر قرار إسقاط العضوية من المجلس بأغلبية ثلثى أعضائه”. في الحقيقة يبدو أن ضيق الوقت قد أثر على عمل اللجنة المكلفة بصياغة التعديلات.

كذلك، فتح تشكيل اللجنة بالاختيار من قبل المجلس العسكري بابا للطعن عليها، حيث رفعت بالفعل قضية تطالب بحل اللجنة لصدور قرار تأسيسها من جهة ليست لها صفة دستورية (دعوى تحمل رقم 22074/65 ق)، وانه لتناقض حقيقي أن تدعو لتعديل الدستور جهة ليس لها شرعية في الحكم بموجب هذا الدستور ذاته.

 

وماذا بعد الرفض؟

لا أحب أن أكرر أسماء من يرفضون هذه التعديلات ولكن يكفي أن أوضح أن بينهم أبرز المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة المقبلة، عمرو موسى ود. محمد البرادعي. وبينهم المستشار أحمد مكى عضو مجلس القضاء الأعلى نائب رئيس محكمة النقض. والفقيه الدستوري د. إبراهيم درويش الذي شارك في وضع عدة دساتير قبل ذلك. ومن الشخصيات الاعتبارية حزب الوفد والجمعية العمومية لمستشارى هيئة قضايا الدولة، على سبيل المثال لا الحصر.

ويبقى السؤال: ما هو المطلوب إذا رفضنا هذه التعديلات؟ والإجابة كما لخصها عدد من الفقهاء الدستوريين هي إعلان دستوري بسيط يحفظ أسس الدولة المدنية ويدعو لانتخابات رئاسية تمهد لدستور جديد مع استمرار عمل آلة الدولة، ثم يفتح الرئيس الجديد حوار مجتمعي حول الدستور المقبل والذي أرى -مستفيدا من آراء د.إبراهيم درويش- أن له طريقان: الأول، لجنة يختارها الرئيس من 50 إلى 100 شخصية عامة تضع مسودة للدستور، لتُطرح للنقاش المجتمعي ثم تعود إلى اللجنة لضبط صياغاتها وفقا لهذا النقاش، وأخيرا تطرح للاستفتاء. والثانى، أن يدعو الرئيس لانتخاب جمعية تأسيسية وفقا لنظام القائمة النسبية تعد الدستور وتعتمده، وهو ما أميل إليه أكثر. وكلتا الحالتين بحاجة إلى فترة لا تزيد عن 6 إلى 9 أشهر.

اترك تعليق